بلدية كفرراعي

الرئيسة » أخبار ومشاريع البلدية

الهيّئات المحلية بين غياب المهنيّة وشحّ الامكانيات

الكاتب: لؤي الشيخ
تمثل المهنية أساس العقد المجتمعي والذي تتجسد فيه المبادئ والمسؤوليات التي يجب أن تكون مفهومة وتنفذ من قبل جميع العاملين بكل ما أوتيت من قدرة وصدق وإخلاص وامانة تامة. والمهنية في الفلسفة التنموية تعني أن مصلحة المواطن تأتي دائما قبل مصلحة العاملين وأن التخصص أساس العمل، وأن تلبية احتياجات الناس ليس منّة بقدر ماهي واجب ومسؤولية، ويجب ان يكون موضوع تقديم الخدمات والسلع لهم بأفضل الوسائل والاساليب وبجودة عالية وفي زمن محدد يتناسب وطبيعة الخدمة او السلعة المقدمة. ويجب ان تتصف المهنية بالصدق مع النفس والتواضع والنزاهة والاعتراف بالأخطاء والتصميم على عدم الوقوع فيها وعدم المعرفة عند الضرورة فقط، وكذلك الالتزام المستمر في التعلم والسعي الحثيث إلى التميز، وعدم ممارسة صلاحيات الغير مهما صغر شأنها، واخيرا عدم التقاعس عن القيام بالواجب الوظيفي مهما كانت اهميته قليلة.

لايقل توفر الامكانيات المادية واللوجستية عن اهمية المهنية والاحترافية في رفع اداء عمل الهيئات المحلية، ويقصد بالامكانيات المادية واللوجستية كل ماهو متاح او يمكن اتاحته في الوقت المحدد من موارد مالية او اصول انتاجية وتشغيلية يمكن توظيفها عند الحاجة لتقديم او زيادة او تحسين جودة الخدمات او السلع للمواطنين، وتختلف مصادر هذه الامكانيات بحسب طبيعة القطاع، ففي القطاع الخاص تتمثل المصادر في اموال المساهمين والارباح على مختلف انواعها، وفي القطاع الاهلي تعتبر المعونات والمساهمات والتبرعات هي المصدر، اما في القطاع الحكومي فالضرائب واشباهها هي المصدر الاساس بالاضافة الى الاقتراض والمعونات سواء كانت داخلية او خارجية، وفي الهيئات المحلية تعتبر ارباح تقديم الخدمات من ماء وكهرباء وصرف صحي وعوائد الترخيص وبعض الانشطة المرتبطة بالانشطة العامة مثل عوائد النقل على الطرق وغيرها هي المصدر بالاضافة الى مايتم الحصول عليه من مساعدات ومنح خارجية وان كانت هي الاهم في موازنة الهيئات المحلية الفلسطينية.

تعاني الهيئات المحلية (البلديات والمجالس القروية) في فلسطين من اختلالات شملت معظم مكوناتها، بدءاً بالمورد البشري، مرورا في البنية التحتية ونظام المأسسة والحوكمة في الهيئات نفسها وانتهاءً بالامكانيات المادية المتاحة لها، مما ادى الى تدني اداء معظم هذه الهيئات لاعتبارات منها ماكان يمكن السيطرة عليه ومعالجته، والاخر كان ومازال خارج نطاق السيطرة.

المورد البشري: لم يكن التوظيف - لزمن ليس ببعيد- في الهيئات المحلية على اسس علمية مدروسة ووفق انظمة وتعليمات موضوعية ولا على اساس الاحتياج الحقيقي للوظيفة، ولهذا يلاحظ الكثير منا ان معظم الوظائف في اقسام الهيئات المحلية تعكس عدم تجانس مهارات الشخص وامكاناته وقدراته مع الوظيفة التي يشغلها، وسبب ذلك الاعتبارات التوظيفية التي كانت سائدة في زمن ليس ببعيد، حيث ان جل هذه الاعتبارات كان يقوده الوضع السياسي وغياب القانون ونفوذ بعض الجماعات، واستقواء البعض بمسميات الاذرع العسكرية للتنظيمات، وسيطرة من كانوا يفتاتون من جيوب رؤساء البلديات واعوانهم على الموقف في حينه، فقد خلفت هذه الحقبة مشاكل استعصى على الكثير من البلديات والمجالس القروية حلها ومن ابرز معالمها ان اكثر من ثلثي الموظفين والفنيين في هذه الهيئات لايحملون اكثر من شهادة توجيهي وأن الثلث الاخر وإن حمل شهادة جامعية او شهادة دبلوم متوسط فإن عمل معظمهم لايتوائم والوصف الوظيفي للمراكز التي يشغلونها، ولهذا فإن اكتساب معظمهم للخبرة والمهارت بطيء واستجابتهم لبناء القدرات ضعيف وقدرتهم على التعامل مع متطلبات العمل العصرية شبه معدومة، وتجربة التخطيط الاستراتيجي الاخيرة في البلديات كانت اكبر دليل على ذلك، حيث كان من الواضح ان اعداد الخطط التنموية الاستراتيجية للبلديات كانت نتيجة جهود اشخاص لايتعدون اصابع اليد الواحدة من كفاءات المجتمع المحلي وبعض الاستشاريين وموظف او اثنين من الهيئة المحلية تحت ستار مشاورة المجتمع المحلي.

وليس ببعيد عن المورد البشري فإن رؤساء واعضاء البلديات المنتخبين في الدورة الاخيرة او ممن زكّوا انفسهم لهذه المناصب طمعا بالرتبة والراتب والجاه، وبتقييم اولي لم يكونوا افضل من سابقيهم وذلك لعدم التجانس والانسجام مابين الاعضاء انفسهم حتى ولو كانوا قد توافقوا سابقا، ولم يلاحظ اي أثر مباشر لهذه التشكيلات ايا كانت طريقتها على بنية الهيكل التنظيمي لهذه الهيئات ولا على اداء الموظفين داخل هذا الهيكل او الهيئة، فالاعتبارات الشخصية والعائلية والحاراتية غلبت على منطق الصالح العام ومصلحة البلد وتنميتها، ولهذا فإن العديد من الهيئات المحلية تئن من وطأة تشكيلة المجلس البلدي فيها وذلك لانعدام الخبرة ولغياب الخلفية في العمل العام عند معظم الاعضاء، ولهذا فهم غالبا مايضعون العربة امام الحصان في رؤيتهم ومنهجيتهم وجلساتهم وحواراتهم مع المجتمع المحلي وهم بالعادة مدمني التذمر على الوضع الحالي والذي دائما مايعزونه الى الوضع السابق والهيئة السابقة وسابقة السابقة الى ان يصل الحد بتحميل الاحتلال المسؤولية.

البنية التحتية: تواجه معظم البلديات والمجالس القروية في فلسطين ترهلا في البنية التحتية للمؤسسة نفسها، فتارة ضيق المكان اما لصغر حجم المبنى واما للتخمة الوظيفية الحاصلة للاسباب سالفة الذكر، وتارة قدم الاجهزة والمعدات والاثاث والتجهيزات الاخرى وتهالكها، وتارة اخرى عدم ملائمة مقر الهيئة نفسها لاسباب تختلف باختلاف طبيعة مجتمع الهيئة، ولكن وان تم التغلب على هذه المشكلات فلا تزال عملية مأسسة وحوكمة هذه الهيئات طموحا يلازم الجميع، حيث تكبر الفجوات في هذا الخصوص في تلك الهيئات التي لاتمتلك البناء المناسب ولا التقنيات الحديثة والادوات العصرية، وتقاد بعقول تقليدية لاتؤمن بالتطور والحداثة، ولاتعي من التنمية المستدامة الا اسمها في احسن الاحوال، وان المصلحة العامة لامكان لها في الاعراب عندهم وأن المصلحة الشخصية والعائلية وبعض الاعتبارات الاخرى هي اساس وجودهم في ذلك الجسم.

الامكانيات المادية واللوجستية: تحتاج الهيئات المحلية الموارد المالية والاصول الانتاجية الكافية من اجل زيادة حجم وتحسين جودة الخدمات، وفي العادة تتحقق هذه الموارد نتيجة ادارة الهيئات المحلية الكفؤة لبعض المشاريع والتي من اهمها الكهرباء والماء والصرف الصحي ورخص البناء والمحال التجارية والمواقف العامة وبعض يافطات العرض في اماكن وشوارع محددة، هذا بالاضافة الى بعض الموارد التي تحصل عليها الهيئات من وراء عوائد السير على الطرق، ولكن لضعف الادارة في معظم الهيئات ولضعف البنية التحتية في المؤسسة نفسها ولاهتلاك مكونات مشاريع الكهرباء والماء بمعدلات عالية ولاكتساب ثلة من المواطنين ثقافات خاطئة فيما يخص سرقة الماء والكهرباء والتهرب من دفع بعض المستحقات الخاصة برسوم رخص البناء والمحال التجارية وغيرها...كل ذلك يجعل الفارق مابين الايرادات والنفقات كبير جدا، لدرجة ان كثير من بنود الموازنة التقديرية للبلديات والمجالس القروية تخلو من اية ارصدة للبنود التطويرية والتوظيف ورفع القدرات وشراء الاجهزة الحديثة وذلك لقناعة معدّي الموازنة بعدم تحقق مبدأ مقابلة الايرادات المتوقعة لجميع النفقات المتوقعة، ولذلك تلجأ العديد من البلديات بطرق مباشرة سواء من خلال هيئات رسمية ترعاها وتنضم تحت لوائها مثل صندوق اقراض وتطوير البلديات او وزارة الحكم المحلي لتوفير جزء من الاحتياجات المالية، او بطرق مباشرة من خلال تقديم مقترحات المشاريع للجهات المانحة، وبهذا الخصوص ولغياب المهنية تفشل كثير من البلديات بتجنيد الاموال اللازمة واقناع المانحين والممولين بجدوى المشروع، ولذلك تضعف القدرات التطويرية والتنموية في الهيئات التي تعاني من ضعف وتدني مستويات المهنية المعتمدة اصلا على المورد المالي وذلك بسبب العجز في تجنيد الاموال والقدرة على التشبيك المحلي والدولي ولانعدام المتخصصين في صياغة مقترحات المشاريع ودراسات الجدوى الاولية واجراء بعض الدراسات الفنية والمالية والسوقية والبيئية وغيرها، وعلاوة على ذلك، فان غياب الادارة المالية كقسم في الهيكل التنظيمي لمعظم الهيئات المحلية كانت له تبعات من اهمها الاخفاق في تعظيم الايرادات وترشيد النفقات بما يتلائم واولوية الاحتياجات المجتمعية والمؤسسية.

ولرفع كفاءة عمل الهيئات المحلية، ننصح بأن تكون الامور التالية محط تطبيق لاشعارات عند المسؤولين أيا كان موقعهم وكلا حسب الامر والاختصاص الذي يتعلق به:-

1. تعديل قانون انتخابات مجالس الهيئات المحلية بما يكفل اشراك الكفاءات واصحاب الخبرات والمهارات وذوي الاختصاص من الشباب في عضوية وقيادة المجالس المحلية على ان يكونوا الاغلبية في تشكيلة هذه المجالس.

2. أن تتبع الهيئات المحلية أسسا وإجراءات واضحة ومعلنة في انتقاء موظفيها، وأن تراعي في ذلك الأسس والإجراءات الناظمة لذلك مع الاخذ بعين الاعتبار اجراء التحديث المستمر للانظمة والتعليمات المتبعة.

3. استحداث آليات للمجتمع المحلي لتمكينه من مراقبة ألاداء المالي للهيئة المحلية والوصول للمعلومات المتعلقة بنشاطتها وموازاة حجم الانشطة المالية مع حجم الاداء والانجاز للهيئة لتسهيل عملية المساءلة والمحاسبة.

4. منح الصلاحية الكاملة للإدارة المحلية لاصدار التشريعات والقوانين والأنظمة الخاصة بالتنمية الاقتصادية المحلية.

5. تشجيع الهيئات المحلية على إنشاء مشاريع إنتاجية استثمارية او مشاركة القطاع الخاص في جزء من استثماراته المحلية لتحقيق زيادة في حصيلة الايرادات بهدف مواجهة الزيادة المضطردة في النفقات.

6.ايجاد وسيلة لتنقيح موظفي الهيئات المحلية والابقاء على اصحاب الخبرات وذوي القدرات من الفنيين وعمل دورات تدريبية مكثفة لهم بهدف تعميق المفاهيم المهنية الخاصة بطبيعة عمل الحكم المحلي.

7. التركيز على العمل على رفع المستوى الفني والمهني لأجهزة الهيئات المحلية من خلال تحديث الادوات والمعدات والاجهزة الموجودة ورفدها بأخرى حديثة وتبني برامج تدريبية متزامنة للفنيين الحاليين ورفدها بفنيين جدد.

8. في ظل الظروف الاستثنائية والأزمة الخانقة التي تمر بها الهيئات المحلية من غياب للمهنية والحوكمة وشح الامكانيات المادية واللوجستية لابد من إيجاد وسيلة لدعم مالي سخي ومباشر لتمكينها من القيام بعملية التطوير والتنمية المناطة بها على اسس عصرية وبمعايير عالية.

9. ضرورة تطبيق نظام الحوكمة -الحكم الرشيد- في جميع الهيئات المحلية، وذلك بهدف الوصول الى نظام مؤسساتي شفاف قادر على التطور والانجاز وقابل للاستجابة لمتغيرات العصر والاندماج في المنظومة العالمية فيما يخص عمل الهيئات المحلية.

10. دعم إنشاء مشاريع البنية التحتية الأساسية للهيئات المحلية الفلسطينية مثل مشاريع الكهرباء والمياه وشبكات الصرف الصحي والطرق وغيرها، لا دعم خصخصتها، وذلك بهدف تقوية المركز المالي لهذه الهيئات وذلك بتنويع مصادر الايرادات من جهة و تشجيع القطاع الخاص على زيادة استثماراته او مشاركة جزء منها مع الهيئات المحلية من جهة أخرى.

التعليقات

Developed by MONGID DESIGNS الحقوق محفوظة بلدية كفرراعي © 2024